اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات يناقش أدب الرحلات

ــ 28 / 2 / 2021

نظم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات – فرع دبي- مساء الأربعاء عبر برنامج زووم، ندوة بعنوان: أدب الرحلة، جائزة ابن بطوطة من الداخل. استضاف فيها اثنين من الفائزين بجوائزها في نسختها التاسعة عشر التي نظمها المركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق في أبوظبي ولندن لأفضل الأعمال المحققة والمكتوبة في أدب الرحلة، وهما الأديب والباحث الإماراتي: سلطان العميمي الذي فاز مخطوطه المحقق: الرحلة الشابورية 1936 للكويتي زين العابدين بن حسن باقر. والروائية المصرية منصورة عز الدين التي فاز مخطوطها: خطوات من شنجهاي في معنى المسافة بين القاهرة وبكين، بالإضافة إلى الشاعر نوري الجراح المشرف على جائزة ابن بطوطة، والكاتبة إيمان اليوسف التي أدارت الندوة.
1936  عام التحول والكنز الشعري
رصد سلطان العميمي تفصيليا رحلته في تحقيق الرحلة الشابورية وكتابتها؛ حيث أكد في البداية على أن شغفه الممتد بكتب التراث، ودأبه على إنجاز مشروعه المتمثل في معجم عن اللهجة الإماراتية منذ أربعة عشر عاما، جعله يمسك بأول خيط من نسيج كتابه الرحلة الشابورية عندما عثر على قصائد منشورة – غير محققة – قيلت في حكام إمارة أبوظبي على امتداد قرنين، من بينها نص الأرجوزة الشابورية الخاص بإمارة أبوظبي ومديح حاكمها عام 1936. مما قاده إلى البحث عن نص المخطوطة، الذي قاده إلى العثور على نصوص شعرية أخرى قيلت في السنة نفسها. 
وأضاف أنه في سبيل تحقيق نص المخطوطة، عاد إلى عدد من الوثائق والمصادر والمراجع، وقابل عدداً من الرواة في إمارة أبوظبي، وتوصل إلى معلومات مهمة عن بعض الأشخاص المذكورين في أرجوزة الرحلة، وأخرى عن بعض الأماكن والألفاظ الحضارية التي كانت معروفة في تلك الفترة، حيث كانت الأرجوزة مليئة بأسماء الشخوص والأماكن، والأطعمة، كما نقل الشاعر بدقة تفاصيل أيام إقامته في أبوظبي، حيث صادف يومها حلول عيد الأضحى المبارك، فوضّح طقوس الاحتفال به، وطقوس استقبال حاكم أبوظبي للمهنئين، واستضافته للشاعر في قصر الحصن، وطقوس تقديم القهوة المصاحبة للاستقبال، ثم وصف جزيرة دلما ومن استضافه وجماعته فيها.

أدب الرحلات خروج من حيز النص الذي يقوم فيه الرحالة بأدوار عدة كشاعر وسارد وفقيه ومستكشف، إلى فضاءات تعبيرية أعمق في رؤيتها وترابط أجزائها

واعتبر العميمي النص بمثابة وثيقة شعرية تاريخية أدبية لغوية، كتبها شاعر مثقف بدا متأثراً بأدب الرحلات وطقوس كتابته شعرياً، ودعا العممي إلى ضرورة الالتفات إلى أدب الرحلات شعرياً.
أما الروائية المصرية: منصورة عز الدين، فبدأت حديثها عن تجربتها ورؤيتها لأدب الرحلة بعبارة: الحياة كلها رحلة، مستدلة بمقولة: إن الأدب الجيد يسكن بين شخصين: شخص يبدأ رحلة أو غريب يصل إلى مدينة، مدللة على ذلك بنجيب محفوظ الذي لم يسافر سوى مرتين في حياته، وبقيت كلماته تمثل رحلة إلى الزمن والحارة المصرية ونفوس ساكنيها، مؤكدة أن أي فصل بين أدب الرحلة والأجناس الأدبية يعتبر فصلا وهمياً.
وأكدت الروائية منصورة أن الإبداع جوهر واحد قائم على الاكتشاف، وأن أدب الرحلة رصد شفيف للتفاصيل المكانية والأبعاد الزمانية وما بينهما من وشائج نفسية ورمزية ودلالية ووجدانية، واصفة الكاتب في أدب الرحلة بذلك الراصد المتحرك الذي يدور في أفلاك عجائبية زاهية، وكأنه “أليس في بلاد العجائب”. وأضافت أن الإقامة في أي مكان هي في حد ذاتها رحلة، واصفة رحلتها الحالية إلى باريس في ظل أجواء كورونا وما يرتبط بها من قيود حركية بالرحلة الكاشفة، لأنها تتحرك هذه المرة في مدينة مرتجفة قليلة الزحام متسعة الوقت، بحكم القيود الكثيرة المصاحبة للجائحة العالمية، كما عبرت عن سعادتها برغم كل الظروف المحيطة لأنها استطاعت أن تشكل في وجدانها صورتين لمشروعين يسيران في خط متوازي أثناء رحلتها الحالية .
طفولة الرواية
وصف الشاعر نوري الجراح نص الرحلة بطفولة الرواية، وميز بين النصين القديم والحديث في أدب الرحلة من زوايا متعددة أهمها أن النص القديم كالذي رواه ابن بطوطة مثلا وكتبه ابن جزي، اعتمد على الإخبار مع الغرائبيات والعناصر الأخرى المرتبطة بالكتابة في أدب الرحلة بشكل يعطي كل عنصر حقه السردي، غير أن أدب الرحلة الحديث تتداخل فيه كل تلك العناصر الإبداعية والوصفية التخييلية في سرد أدبي متشابك، لا تستطيع من خلاله فصل عنصر عن آخر، مؤكدا أن العشرين سنة التي حملت شراع الجائزة، عبر فيها الكتّاب عن ذواتهم وتعددت تقنيات التعبير لديهم، وارتقوا من سلالم النقل إلى فضاءات الذات العميقة ورحلتها في سفرها المتخيل والواقعي.
كما نوه الجراح بجماليات العملين الفائزين للعميمي ومنصورة، معرجا على تطور أدب الرحلات وخروجه من حيز النص الذي يقوم فيه الرحالة بأدوار عدة كشاعر وسارد وفقيه ومستكشف، إلى فضاءات تعبيرية أعمق في رؤيتها وترابط أجزائها، مستشهدا بنصوص قديمة وأخرى حديثة.
وعن الجائزة أكد الجراح أن الفكرة التي انطلقت من لقاء جمعه بمحمد أحمد خليفة السويدي عام 1999، أصبحت واقعا في العام التالي، لتحقق نجاحا وتميزا كبيرا على الصعيدين المحلي والدولي، وأصبحت ذات قيمة أدبية كبيرة، وحفزت العشرات من محبي هذا الفن الأدبي الرفيع، الذي تميز به العرب على مر العصور بدءا من امريء القيس والنصوص المتخيلة عن الجنة والنار في القرن الثاني، مرورا بالمعري وابن عربي والرحلة المراكشية وغيرها وصولا إلى الرحلة المتخيلة التي جسدها ابن طفيل الأندلسي في حي بني يقظان، والتي استلهم الغرب منهم جميعا كتاباتهم وتميزهم في هذا الفن البديع الذي سطره العرب شعرا وسردا، كما أكد نوري أن جمال أدب الرحلة يكمن في التواصل بين الثقافات المختلفة، وأن الجائزة التي أقامت تسع ندوات كبرى في عواصم عربية وأنجزت ثلاثمئة كتابا محققا، وفاز بجوائزها ما يربو على تسعين فائزا وفائزة من دول عربية وأجنبية في فروعها المتمثلة: في الرحلة المحققة، والرحلة المعاصرة، واليوميات، والرحلة المترجمة، قد تقدم إلى نسختها الأخيرة ستة وخمسون مخطوطا من عشر دول عربية، مما يدل على المكانة التي وصلت إليها الجائزة بفضل نزاهتها وارتباطها الدائم بجودة النص وعلو شأنه لا بالكاتب وجنسيته ومكانته.


هذه الـمشاركة مفيدة:

0 votes, 0 avg. rating

شارك هذا:

ewu